لم تعد أهمية التعليم محل جدل اليوم وليس خافياً على أحد أن التعليم يمثل حجر الأساس في تقدم ونهضة الشعوب والأمم ويشهد التاريخ على أهمية التعليم ومحوريته في بناء الإنسان وتحقيق التنمية والتقدم والنهوض الحقيقي ومن أجل ذلك تحشد الدول طاقاتها في سبيل تطوير التعليم وتسعى لمواكبة كل جديد حرصاً منها على بناء جيل قادر على العطاء.«الجمهورية» زارت بعض المدارس التي يتلقى الطلاب والطالبات دروسهم تحت الأشجار في ظروف بائسة وخرجت بالتحقيق الصحفي التالي:
مدرسة الحرية ليست حرةً!!
كانت البداية من مديرية «جبلة عزلة وراف وتحديداً منطقة المعيرلي، مدرسة الحرية» التي لا تبعد عن مركز المحافظة سوى خمسة عشر كيلو متراً تقريباً وفور وصولنا إلى تلك المنطقة الجميلة والتي تكسو مدرجاتها الخضرة استقبلنا الأهالي وبدأوا يشرحون لنا معاناة أبنائهم الطلاب والطالبات وأوصلونا إلى المدرسة التي يتلقى أبناؤهم الطلاب دروسهم فيها منذ سنوات طويلة وكانت المفاجأة أن شاهدنا التلاميذ من مختلف الأعمار (بنين وبنات) وقد ضاق بهم المكان فهم محشورون في أزقة وممرات حول المسجد حتى يمكن استخدام جدار المسجد كألواح أو ما يعرف بالسبورة تدون عليها المعلومات من قبل الأساتذة والمحظوظ منهم من وجد فصلاً دراسياً في حوش المسجد لكن شدة البرودة لا ترحم كون المكان مفتوحاً والمكان مرتفعاً كما أن البعض الآخر يتعلمون تحت الأشجار.
تدخل أمني
الغريب أنه بالقرُب من هذه المدرسة هناك مدرسة تم تشييدها مكونة من طابقين انتهى العمل بها منذ خمس سنوات ولم يتم تسليمها بعد من قبل المقاول.
مدير المدرسة عبدالله قاسم البعداني أوضع لنا أن معاناة الطلاب منذ سنوات طويلة وهم على هذا الحال وقد تم طرق كل الأبواب واستبشرنا خيراً ببناء مدرسة بالقُرب من هذا المكان لكن المقاول رفض تسليمها بحجة أن لديه حقوق لم تسلم بعد وقام باحتلال المدرسة واستغلالها كسكن وهي على هذا الحال منذ خمس سنوات.
مدير المركز التعليمي بمديرية جبلة خالد العزب أوضح لنا بالقول أن المقاول لديه معتمد في المجلس المحلي وقد رفض استلامه ويريد تعويض وقد قام مؤخراً باحتلال المدرسة واستغلالها كسكن، العزب ناشد المجلس المحلي بسرعة تصفية المشروع مؤكداً أن الأمر يحتاج إلى تدخل أمني أما فيما يدعيه المقاول من تعويضات فعليه التقدم إلى المجلس المحلي وسوف يتم النظر في ذلك وفي حالة أن ثبت استحقاقه لتعويضات سوف يلبى طلبه.
لكن مدير مديرية جبلة علي جغمان نفى احتجاز المقاول للمدرسة أو استغلالها كسكن مؤكداً أنه قد قام بإنذار المقاول وسوف يتم تصفية المشروع وفقاً للقانون.
وعن سبب التأخير في استلام المدرسة هذه المدة الطويلة أوضح مدير مديرية جبلة أن المديرية لديها مشاريع كثيرة وهي شحيحة الموارد والدعم المركزي موقف.
بدوره المقاول عبده حسن أسعد أوضح لنا أنه بعد أن قام بعمل الميدة والتي كلفت أربعة ملايين ريال أخبر مدير المركز التعليمي أنه لا يستطع مواصلة العمل بسبب ارتفاع الأسعار فأبلغه بالاستمرار وسوف يتم تعويضه واستمر في العمل على هذا الأساس.. المقاول أكد أنه لن يسلم المدرسة إلا بعد استلامه كافة مستحقاته من التعويضات.
الكفاح مدرسة
غادرنا مدرسة الحرية في عزلة وراف واتجهنا غرباً إلى مدرسة الكفاح الواقعة بين مديرية العدين وريف إب عبر الطريق الأسفلتي إب الجراحي، وقبل أن نصل إلى مديرية العدين انعطفت بناء السيارة يساراً عبر طريق السائلة لتصعد بعد ذلك عبر طريق ضيق جداً مرصوف بالحجر حتى نصل بعد ذلك إلى مكان مرتفع يطل على الوادي هو مقصدنا مدرسة الكفاح عبارة عن أربعة فصول دراسية كراسيها من الحجارة بينما تغطيها الطرابيل وسط أشجار التين مما يهدد حياة الأطفال من خطر الزواحف التي تنتشر في هذه المنطقة.
التقينا الأستاذ محمد يحيى أحمد سلام أحد العاملين بالمدرسة الذي كان هو الآخر في وضع يرثى له حتى أننا لم نصدق أنه مدرس فتحدث إلينا والحسرة على وجهه لوضع المدرسة والمستوى التعليمي للطلاب.. مشيراً إلى أن الأطفال يقطعون مسافات كبيرة ويتعرضون لمخاطر شتى لافتاً إلى الصعوبات التي تواجه المدرسة فبالإضافة إلى المبنى هناك نقص في عدد المدرسين.
من جانبه أحد الموجهين والذي التقيناه بالصدفة أكد ان هذه المدرسة على هذا الحال منذ سنوات عدة ومستوى الطلاب ضعيف جداً لأن هذا الوضع يجعل الطلاب غير مركزين في الدراسة كما ان الأستاذ يقوم بتدريس أكثر من مادة وأكثر من فصل وهذا الأسلوب فاشل ولا يمكن بأي حال من الأحوال ان نتحدث عن تعليم في هذه المدرسة.
حاولنا أن نتصل بالمسئولين في مديرية العدين فذهبنا إلى المركز التعليمي هناك واستقبلنا عبدالواحد حميد صادق باشا الذي أكد لنا ان المدرسة لا تتبع مديرية العدين رغم ان كثيراً من التلاميذ هم من أبناء مديرية العدين..
مشيراً إلى ان هذه المدرسة ليست الوحيدة بل أنه في مديرية العدين توجد خمس مدارس بنفس المستوى كما جعلنا نتساءل لماذا لم يتم تدريس الأطفال في القرية بدلاً من نصب تلك الطرابيل في ذلك المكان البعيد والشاق على أطفال في عمر الزهور طالما وليس هناك مدرسة قائمة بمبانيها إذا كانت المسألة مسألة طرابيل وخيام يمكن نصبها في القرية وتعليم الأطفال داخل القرية !!
كما التقينا الأستاذ محمد يحيى رسام الذي تحدث إلينا بحرقة حيث قال: أنا مدرس منذ 18 عاماً حال الطلاب لم يتغير سوى من حيث المكان فقط حيث أشار إلى أنهم دائماً في ترحال من مكان إلى آخر بحثاً عن مكان فهم في كل عام يتم منعهم من مكان معين فيضطرون إلى الانتقال إلى مكان آخر.
طبعاً مكان المدرسة عبارة عن أرض مستوية في مكان مرتفع ويبعد عن القرية بحوالي ثلاثة كيلو مترات تقريباً.. المدرسة لا تقل بؤساً وتعاسة عن مثيلاتها التي تحدثنا عنهما من قبل فهي تتكون من ستة فصول دراسية عدد الطلاب أكثر من مائتي طالب وطالبة يتوزعون على الفصول الأولى من التعليم الابتدائي.. محمد عبده ناجي القادري أحد المعلمين في المدرسة قال: أين حق التعليم الذي يكفله الدستور وأين حق الطفل وكيف يمكن إنشاء جيل في ظل هذا الوضع ؟!
مشيراً إلى أنه قد تم إدراج مدرسة ابتدائية ضمن ميزانية المجلس المحلي ومنذ خمس سنوات لم يتم التنفيذ رغم المطالبة المستمرة ولكن لا حياة لمن تنادي.
وبما أن عزلة ميتم تتبع إدارياً مديرية ريف إب قابلنا مدير المديرية العقيد محسن المريسي الذي أكد أن الخلافات بين الأهالي هي السبب وراء عدم تنفيذ المدرسة حيث أشار أنه بالفعل قد تم إدراج المدرسة ضمن موازنة المجلس المحلي وقد تم نشر الإعلان وتم إرساء المناقصة على أحد المقاولين وحدد المكان ونزل المقاول للبدء بالتنفيذ لكنه واجه معارضة من قبل بعض أهالي القرية فتم تحديد مكان آخر ونفس المشكلة تم منع المقاول من التنفيذ وكاد الموقف ينفجر بين الأهالي.
المريسي ناشد المواطنين بتحكيم عقولهم والاتفاق فيما بينهم لتحديد المكان الذي يرضي الجميع وسوف يتم التوجيه مباشرة بالبدء بتنفيذ مشروع المدرسة لافتاً إلى أنه دائماً في كل عام يتم ترحيل المشروع بصورة مخالفة خوفاً من حرمان هذه المنطقة من المدرسة التي بالفعل بحاجة إليها لرفع معاناة الطلاب والطالبات.
إرادة قوية
هذه نماذج لحال بعض المدارس وهي غيض من فيض فهناك بالفعل مدارس كثيرة جداً بالمحافظة لازالت تعيش نفس الظروف.
ومالفت انتباهي خلال هذه الزيارة لهذه المدارس هو عزيمة هؤلاء الأطفال وشجاعتهم وحرصهم على أخذ حقهم في التعليم: تحدثت إلى بعضهم فكان الأمل يملأ قلوبهم بمستقبل أفضل والكثير يتطلع إلى ان يكون إما طبيباً أو أستاذاً أو مهندساً.. الخ رغم الظروف الصعبة التي يتلقون فيها تعليمهم فأدركت أنه ليس هناك مستحيل أمام هذه الإرادة القوية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق